الأحد، 9 مارس 2014

الفخ ... قصة بقلم : ياسر الششتاوي



الفخ
ـــــــــ
تكاد مثانتي تنفجر من ضغط الماء عليها ، لا أسمع ولا أرى ، كل تركيزي مع نصفي الأسفل ، وليس مع نصفي الأسفل كله، بل مع الجزء الذي يبحث عن مخرج لهذا الماء الميت في جسدي !!
أكره الشتاء ، فهو يشحن مثانتي بالماء بصورة سريعة تزعجني ، وتجعلني أقع في مواقف محرجة كثيرة ، أنظر هنا وهناك بحثاً عن أي مسجد ، أو حمام عام ، أطل الفرج، ما علي إلا أن أحث السير ،حتى أوشكت على الوصول، سوف أتخلص من هذا الحمل الثقيل ، لم يبق إلا عدة خطوات ،وأصل إلى المسجد ، وينهمر الطوفان ، ولكنني وجدت باب المسجد مغلقاً ، تباً لهم ، وتباً لوزارة الأوقاف ، يأخدون مرتبات ضخمة على لا شيء ، حتى المساجد لا يفتحونها.
كدت أضع يدي على عضوي الذكري كي لا ينكسب منه الماء ، ولكن كيف أفعل هذا في الشارع ؟!! لم يكن أمامي إلا أن أسرع الخطى نحو حمام الموقف الذي سوف أركب منه إلى المحافظة حيث مكتبي الذي أعمل به.
وبمجرد أن دخلت الحمام ،وأغلقت الباب ، شعرت أنني قد دخلت الجنة ،وليس الحمام ،ولم يبق أمام الماء إلا أن يشق طريقه لموضعه الطبيعي ، وظللت أدفع الماء ،وأدفع فترة طويلة على غير المعتاد، حتى أحسست أنني كنت في معركة ،وانتصرت ، وتذكرت نعم الله على الإنسان ،وأنني ينبغي أن أتوب ،ولا أؤجل التوبة بعدالآن ، فلوكان عذاب الأخرة أن يحبس في الإنسان الماء ولا يخرج ، لكان عذاباً شديداً ،وتذكرت قصة الملك الذي سأله حكيم ، بكم تشتري كوباً من الماء ، لو كنت في الصحراء ،وأوشكت على الموت من العطش ؟ فقال له : أشتريه بنصف ملكي ، ثم سأله سؤالاً مكملاً : وبكم تشتري إخراج هذا الكوب من الماء لو حبس فيك ولم يخرج ؟ فقال له : بالنصف الآخر !!
قد حصلت على نصف ملك هذا الملك بعد تخلصت ليس من كوب ماء فقط ،ولكن كأنني كنت قد شربت المحيط ،ورحت أهندم ملابسي، وأعدل بنطلوني ، ورجعت لسابق عهدي ،وأصبحت إنساناً طبيعياً ، بعد أن كنت أشعر أنني تحولت إلى خزان ماء ، وبينما أضع اللمسات الأخيرة على بنطلوني ، رفعت بصري في أعلى باب الحمام ، فوجدت كلاماً قبيحاً مكتوب على باب الحمام ، كلاماً جنسياً فجاً ،وسباباً لأشخاص ، وبنات ، ولكن ما أثار انتباهي أن هناك رجلاً كتب رقم محموله ، وكتب بجواره باللهجة العامية مامعناه أن مؤخرته أجمل من مؤخرة أجمل امرأة ، الله يقرفك ، ويقرف أهلك ، هل هناك بشر بهذه القذارة ؟ وما العجب في هذا ألا تذكر قوم لوط ؟ أو ربما واحد كتب هذا الرقم كمقلب لصديق له أو أي شيء منهذا القبيل ، لا أحب أن أصدق الأمور القذرة .
كما وجدت أرقام للسيدات وبجوار كل رقم سعر السيدة ، وكلمات توحي بأنها فاتنة، فهناك من هي بـ25 جنيهاً ومن هي بـ50جنيهاً ومن هي 75بـ جنيهاً ، مع أنني كنت قد دخلت هذا الحمام أكثر من مرة إلا أنني لم أدقق فيما هو مكتوب إلا هذا المرة ، فأخذت رقم الذي بخمسين جنيهاً ، وقلت : خير الأمور الوسط ولنجرب ، لأعرف هل هذا الكلام حقيقي أم لا ؟
وبعد أن ركبت الميكروباص في طريقي إلى مكتبي ، كتبت الرقم ،ورحت أرن عليه ، فرد عليّ فعلاً صوت نسائي ، إذن تلك ليست هذه أرقام رجال كما كنت أظن أو مقالب ،والأمر يقترب من أن يكون حقيقة ، فأخرجت من جيبي الخط الخاص بالمعاكسات ، ذلك الخط الذي لا يعرف رقمه أحد ، إلا أنا ومن أعاكسهم ، وأبعده كل البعد أن يقع في يد زوجتي ، أو أحد من الأبناء، وكنت قد وصلت المكتب ، فبدأت أرن عليها ، ورحت أغازلها بكلام قبيح ، فانهارت بعد عدة محاولات ، أظهرت فيها أنها شريفة ، ولا تعمل في تلك المهنة ، ولكنني لم أتراجع ، فالمرأة تحب من يصمم عليها ،أخبرتني بأنني يمكن أن أحضر لها ،وأحضر معي الخمسين جنيهاً ، ولكنني رفضت ، فأسوأ شيء أن تذهب لامرأة في عقر دارها ، رغم أنها أخبرتني أنها ليس معها إلا رضيعها، ولكن قد يكون كميناً ، وقد يكون.. ويكون ...
طلبتُ منها أن تحضر إلى مكتبي ، وبعد أعددت كل شيء في المكتب ، وجهزت ما يلزم اللقاء الموعود ، ورحت أتخيل تلك الفاتنة ذات الصوت الجميل ،والآهات التي تغمرك في السعادة ، ولكن الخيال لم يطلْ بي كثيراً ، فقد رن الجرس ، فقمت مسرعاً متلهفاً أفتح الباب ، فإذا بامرأة منتقبة ، وبعد أن ألقت عليّ السلام سألتني :هل أنت الأستاذ وائل إبراهيم الذي كنت تحدثني من نصف ساعة ، طبعاً لم يكن هذا اسمي الحقيقي ، فأجبتها بنعم ، وأدخلتها ،ورحت أحضنها ،وأقبلها ، وأخذتها إلى حيث نحقق أهداف اللقاء ، فمكا كان مني إلا أن رفعت نقابها ، فأدهشني ما رأيت دهشة مؤلمة ، إنها امرأة غاية في القبح ، كادت أن تكون رجلاً ، وزوجتي أفضل منها ملايين المرات ، فلم أرد أن أكمل معها ، وشعرت بأنني أريد أن أتقيأ ، وأخبرتها أنني قد شعرت بالذنب ، وتذكرت أن لي بناتاً ،ولا ينبغي أن نفعل ذلك ، فطلبتْ مني أجرتها ، فهي قد أتت سواء فعلت أو لم تفعل تأخذ حقها ، فأعطيتها الخمسين جنيهاً خوفاً من الشوشرة ، واعتبرت نفسي قد تصدقت بها.

الاثنين، 3 مارس 2014

الكلب لم يمت ... قصة بقلم :ياسر الششتاوي



الكلب لم يمت
ـــــــــ
كنت وأنا في المدرسة الابتدائية أمشي حوالي من كيلو أو يزيد حتى أصل إلى المدرسة ،وكان على الطريق بعض البيوت المتناثرة في الأراضي الزراعية ، كنت أخاف من هذا الطريق ،وأشعر أنه وحش سوف يعضني ،أويأكلني ،كنت لا أود أن أذهب إلى المدرسة بسبب هذا الطريق، فقد كان هناك كلب يخرج من إحدى البيوت التي على الطريق ،ويقطع علينا الطريق ، كنت أنتظر أن أمشي مع زملائي حتى أصبح في حمايتهم ، ولكن أحياناً عندما نصبح اثنين أو ثلاثة، ينطلق خلفنا الكلب ، فنجري نحن الثلاثة، وأقلنا سرعة قد يعضه الكلب ،وقد حدث هذا مع بعض زملائي ، مما زاد من خوفي من هذا الكلب الأسود ، كاد أن يعضني مرة من المرات ، لولا أن أهل البيت خرجوا على صراخي ، ونادى أحدهم على الكلب ، فذهب إليه ،وراح يهز ذيله ، لكن سروالي كان قد ابتل بالماء ، ولم أقل ذلك لأبي ولا أمي ولا لأحد من إخواني ،وظللت أقف في الشمس على أعتاب قريتي ، حتي جف بنطلوني وسروالي ،وفي إحدى الأيام قامت أمي من النوم متأخرة ، فكان التأخر عن المدرسة من نصيبي أيضاً ، وبرزت المشكلة الأكبر لي أنني سأعبر الطريق وحدي ،فلا يوجد أي أحد من زملائي على الطريق ،وهذا الطريق نادراً ما يمر عليه أحد من الناس ، ولم يكن لي أن أغيب ، ففي هذا اليوم موعد امتحان الشهر الذي لا ينبغي أن أرسب فيه حتى أحافظ على تفوقي ، كما أن أبي لا يسمح لي أن أغيب يوماً عن المدرسة ، خرجت وقلبي يخفق خوفاً ، كيف سأعبر ؟؟ تذكرت كلاماً لأحد زملائي ناصحاً حيث قال لي : عندما يهجم عليك الكلب ، عليك أن توهمة أنك تحضر طوبة من على الأرض سوف تقذفه بها ، وساعتها سيفر منك ، فالكلب جبان ، وقال لي أيضاً: إنه سمع في التلفزيون أن الكلب يشم رائحة الخوف في الإنسان ، فإذا شم من أنفاسك أنك تخافه سوف يجري خلفك ، وإن لم تخف منه سيعرف ذلك من أنفاسك ،وسوف يتراجع ، فالكلب يملك حاسة شم قوية.
عزمت أن أعمل بنصيحته ، ظللت أقترب من البيت وأقترب ، كأنني أقترب من موتي ، كنت أنظر للبيت، وأنظر له مرتبكاً، وأنا أعبرمن أمامه ،ولا أصدق، فلقد عبرت البيت، ولم يظهر الكلب، هل مات ؟ هل ذهب إلى مكان آخر ؟أم عرف أن التلاميذ قد ذهبوا إلى المدرسة ، فراح كي ينام ، بعد أن أدّى استعراضه اليومي ، كي يثبت لأهل الدار أنه كلب حراسة من الدرجة الأولى ؛فيغدقون عليه الطعام ؟ لم يعد لي بحاجة إلى نصائح صديقي الكلبية ، فلقد مر كل شيء بسلام ، وإذ بي أسمع صوت الكلب يأتي كالصاروخ خلفي ، فرحت أجري صارخاً ، ولم أفعل بأي نصيحة من نصائح صديقي ، فلم تواتيني الشجاعة حتى أنتظر الكلب كي يأتي ثم أوهمه أنني سوف أقذفه بحجر ،وكأنما قد أثقلتني حقيبتي ، فألقيت بها على الأرض ، إلا أن هذا الإلقاء المذعور، لم يفلح في تخفيف وزني ،وإلحاقي بالسرعة التي تنقذني من هذا الكلب المجنون ، فوصل إلى قدمي ،وعضني عضة واحدة ، ففعلت مثلما قال صديقي ، لأنني لم يكن أمامي إلا هذا كطوق نجاة أخير ،فأوهمت الكلب أن بيدي حجراً سوف أقذفه به ، فعاد إلى أهل بيته الذين خرجوا على صراخي للمرة الثانية ، ولكن هذا المرة قد وقع المحذور ، وتمزقت ملابسي من أثر العضة ، فعدت باكياً إلى البيت ، وأخبرت أبي بما حدث ، فذهب مسرعاً إلى هؤلاء الناس الذين حاولوا أن يسترضوا أبي بكل وسيلة ، فلم يرض ، ثم مشى غاضباً من أمامهم بعد أن أخبرهم أنه ذاهب كي يسجل محضر رسمي بما حدث لي في نقطة الشرطة التابعة لها قريتنا ، وأخذني معه ،وكانت هذه أول مرة أدخل فيه نقطة شرطة ، فأخرج الضابط مع أبي مساعد شرطة لأحضار صاحب البيت الذي كان قد سم كلبهم الوفي ، وتم دفنه بجوار البيت ، وعندما ذهب مساعد الشرطة لم يجد الرجل في البيت، فهو قد تأكد من أبي قد ذهب إلى نقطة الشرطة ففر عند أحد أقاربه ،إلا أن مساعد الشرطة وعد أبي أن يحضره في اليوم التالي أو أن يتم الصلح خاصة بعد أن دفن الكلب ، وفي اليوم التالي بعد أن علمت بموت الكلب كنت سعيداً ، لم أفرح بموت أحد إلا بموت هذا الكلب ، ولكنني عندما كنت أمر من أمام هذا البيت ، أتذكر العضة التي في قدمي ، فأنظر خلفي ،وكأن الكلب لم يمت ، وسوف يظهر بعد قليل كي يعضني مرة أخرى.



الجمعة، 21 فبراير 2014

بين ذاكرتين ... قصة بقلم : ياسر الششتاوي



بين ذاكرتين
ـــــــــــ
أفاق من الغيبوبة ، لايعرف أحداً ، حاول تذكر أي شيء لم يستطع ، حاول أن يتذكر سبب وجوده في تلك المستشفي ، وضع يده على رأسه ضاغطاً عليها ،لم يستطيع أن يعود للخلف ولو ساعة واحدة ، كأنه ولد في تلك اللحظة التي فتح فيها عينيه في تلك المستشفي الفخمة ، راح يسأل نفسه : هل أنا غني أم فقير ؟ من ملامح تلك الحجرة يبدو أنني غني أو ربما هناك ما أجهله ، ثم قال لنفسه : أتقول هناك ما تجهله ؟ إنك تجهل كل شيء ...
إنني لا أعرفني ... يا ترى من أكون ؟
دخلت عليه الممرضة مبتسمة ثم قالت له : ألف سلامة عليك.
رد عليها كمن يود أن يستعطفها لتجيب عن تلك الأسئلة التي كانت وما زالت تعشش في هواجسه منذ أفاق
ـ الله يسلمك ...ممكن أسألك سؤالا ؟
ـ تحت أمرك.
ثم تراجع إذ كيف يسألها من أكون ، أحس بالخجل ، لاحظت الممرضة ذلك فقالت له مشجعة :
ـ على العموم ، أنا هنا في خدمتك ،وأي طلب أنا تحت أمرك.
وبعد فترة دخل عليه طبيب ،نظر له نظرة غريبة ، نظرة كلها حقد ، ورغبة في الانتقام ثم هجم عليه ، وحاول القضاء عليه خنقاً ، فراح يصرخ ،ويصرخ ،ويدفعه بقوة ، لقد ظن ذلك الذي أرتدى ملابس الطبيب أنه ما زال في الغيبوبة ، ويسهل القضاء عليه ،ولكنه كان قد أفاف منذ ساعة أو أكثر ، وأصبح يمتلك بعض القوة ، والقدرة على الصراخ والضغط على رز الاستغاثة ، فلم يضيع الطبيب المزعوم وقتاً وضربه بسكين في يده الممسكة به ، وفر هارباً في وقار .
دخل عليه الأمن وبعض الأطباء ، وحاولوا أن يدخلوا عليه بعض الطمأنينة ، وتضميد يده ، وطلبوا منه أن يصف ذلك الذي دخل عليه ، ولكنه لم يسمع إلا القليل من كلامهم ، ثم فقد الوعي مرة أخرى ، راحوا يحاولون إعادة الوعي له مرة أخرى ، ووعلقوا له المحاليل التي تغذي تلك العودة.
كان من السهل أن يفيق للمرة الثانية ، ولم تضيع ذاكرته ذلك المشهد الذي حدث منذ قليل ، ولكنه حاول البحث في ذاكرته البعيدة عن ملامح ذلك الرجل الذي حاول قتله ، وهل هو رجل يعرفه أم هو رجل مأجور من آخرين؟
ذاكرته البعيدة أصبحت معطلة تماماً ، ولا يستطيع أن ينقذ من بحرها أي سفينة تعود له ولو ببعض الذكريات عن نفسه ، وعما فعله في الفترة الماضية من حياته.
راح يسأل نفسه:
هل أنا طيب أم شرير ؟ وإن كنت طيباً فلماذا جاء هذا الرجل ليقتلني ؟! وإن كنت شريراً فكيف سأعيش فيما بعد وأنا لا أعرف أعدائي من أحبائي ؟؟
لابد أن أعرف ولو شيء قليل عن نفسي ، وفي الصباح دخلت عليه سيدة جميله أنيقة يبدو عليها أنها من علية القوم ؟ بعد أن أخبروه أنه فقد الذاكرة، فسألها مستغرباً:
ـ من أنت ؟؟
فضحت ضحكة عالية ، لم يتصور أن تفعلها ، ثم راحت تخرج الكلمات بشهوة التشفي الجارفة
ـ أنا من عذبتها ، وأريتني معك الذل بكل ألوانه.
فتعجب
ـ أنا أنا.
ـ نعم أنت
ـ لماذا ؟
ـ لن أقول لك ، لن أعطيك أي معلومة عن نفسك حتى تظل تائهاً.
ثم رن تليفونها المحمول ، فخرجت تجرى المكالمة كي لا يعرف شيئاً ، أو يلتقط أي معلومة منها ، وهنا دخلت الممرضة ، فلم يخجل أن يسألها هذه المرة ، وكانت قد علمت من الأطباء ليلة أمس أنه فقد الذاكرة ، وقد تعود أو لا تعود ؟
ـ من أكون ؟
ـ حضرتك من أبرز رجال الأعمال في البلد .
ومن هذه التي كانت هنا.
ـ هذه زوجتك ؟
ـ زوجتي !!!
ـ هل أنا شرير ، أو يعني هل أنا رجل محبوب .
فردت عليه الممرضة من خلال ما ترى من أعمال الخير التي يصوره له التلفزيون
ـ حضرتك صاحب مشاريع خيرية كثيرة ، ومحبوب من كل الناس.
فسالها مستغرباً
ـ إذن لماذا جاء الذي جاء كي يقتلني ؟!
فردت عليه الممرضة محاولة أن تبث فيه الثقة .
ـ كل إنسان ناجح له أعداء.
فقال في نفسه :
ما أسوأ أن يكون لك عدو إلى درجة أن يقتلك.
لم يقتنع بكلام الممرضة ، لأن زوجته أيضاً تكره ، يبدو أن ذاكرته الجديدة سوف تحمل ميراثاً رهيباً من الكراهية ،ولكنه عاهد نفسه ، وقال لضميره الجديد : لابد أن أسعى لدى كل من ظلمتهم ، وأرجع لهم حقوقهم ،و أخبرهم أن إنساني الجديد يطلب منهم المسامحة ، أو يعاملوني كمن ولدت اليوم ، فهل سوف يقبلون ؟؟
وهنا دخلت عليه زوجته ، وطلبت من الأطباء أن يسمحوا له بالخروج ، فسمحوا لها بالخروج به ، فقررت أن تحبسه في الفيلا الخاصة بهما ، وألا يرى أحد ،وأن تدير هي كل شيء.
وفي الطريق بينما تتخطي إحدى السيارات اصطدمت بسيارة أخرى لم تكن الصدمة بالقوية ، ولا تركت أثراً كبيراً في السيارة ،ولكنها كانت كفيلة بعودة الذاكرة له ، بعد عمل الناس على إفاقته ، لكن ذاكرته فقدت تلك الفترة التي قضاها في المستشفى، فنظر لها نظرة حقد وظن أنها كانت تريد أن تقتله ، فتركها وحدها على الطريق ، وانطلق ناحية الفيلا ، كي يحضر مسدسه.

 





الجمعة، 14 فبراير 2014

الحمار يحلم ... قصة بقلم : ياسر الششتاوي



الحمار يحلم ... يحلم أن يتحرر من قيده ، أن يصبح حراً ، أن ينطلق ويمشي كما يشاء ، ربما لو أصبح حراً ، لاحترمه الناس ، وغيروا فكرته عن غبائه ، إن الحرية ترفع من منزلة أي كائن .
حاول كثيراً ، أن يفك حبله ، ولكن محاولاته ،كان يأكلها الفشل ، فأسعار الحمير في ازدياد ، وصاحبه لدغ قبل ذلك ، فلقد كان لديه حمار ، ولم يهتم بربطه ، ففر هارباً ، ويبدو أن أحداً أخذه ،وباعه ، ولذلك يقول صاحب الحمار كلما يربطه ( لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين )
يسأل الحمار نفسه : هل سأظل هكذا حتى نهاية عمري في تعب ومشقة ؟ أحمل هذا ،وأحمل ذاك ، وأضرب من هذا وأضرب من تلك ؟؟ ومع ذلك لاألقي التقدير من بني البشر ، بل يشتمونني ويشابهون أسوأ الناس بي رغم ما أفعله من أجلهم ، أيها الإنسان كم أنت حجود ، ولا تعترف بالفضل !!
وفي أحد الأيام ماتت أخت صاحب الحمار ، فراح مسرعاً إلى قريتها ، وأخذ الحمار إلى الحقل ابن صاحب الحمار ، وراح كي يحضر البرسيم عليه للبهائم ، فاستغل الحمار تلك الفرصة أحسن استغلال ، فقد رأي الولد يربطه ، ففرح أشد الفرح بما فعله ، فقد علم أنه يستطيع أن يفك الحبل بسهولة ، وبعد أن انهمك الولد في حش البرسيم ، راح الحمار يقضم الحبل ، ويقضم ، والولد يحش ،ويحش
نجح الحمار في فك الحبل وقضمه ، وانطلق مسرعاً ، رافعاً رقبته إلى أعلى ، والنهيق تلو النهيق يعلن أنه نال حريته أخيراً ، ترك الولد الصغير حش البرسيم ، وراح يجري وراء الحمار ، فلم يلحق به ـ فما هو في قوته ولا في سرعته ـ حتى غاب عن الأنظار ، فجلس الولد الصغير باكياً ،وذهب إلى أمه التي وبخته كثيراً على عدم يقظته ، فأجابه الصغير : ألم يضع أبي حماراً قبل ذلك ؟ لماذا تلومني كل هذا اللوم.
وعندما جاء أبوه بعد أن دفن أخته ، وعلم بالخبر لم يكتف باللوم فقط ، بل راح ينهال على ابنه بالضرب ، لولا أن أمه منعت أباه من التمادي في الضرب، وإن نالها بعض الأذى واللكمات بفعل انفعاله.
ولكن بعد فترة من الوقت طيب خاطر الصغير وأمه ، وقبّل ابنه ، ومسح على رأسه ، فقام الولد بفتح حصالته ،وأخرج ما فيها كي يشتري أبوه حماراً ثالثاً ، وبرغم الغم الذي فيه الأب ، ابتسم لابنه ، وقال له :
ـ حصالتك هذا وما فيها لا تشتري رجل حمار
فرد الصغير ببراءة
ـ خذ حق الرجل ، إلى أن ادخر ثمن الباقي
فضحك الأب وقهقهه هذه المرة ، وزاد إعجابه بابنه ، فقبله مرة أخرى ، واسترخص ثمن الحمار بجوار هذا الشعور النبيل من ابنه.
وفي الصباح أخذ الأب سيارة نصف نقل ،ووضع عليها مكبر صوت ، وراح يدور في القرى يعلن عن حماره الضائع ، لعله يكون قد وقع في يد ناس أولاد حلال ، فيرجعون له الحمار ، كما فعل مع حماره الأول ،ولكن حماره الأول لم يجده بعد أتعب مكبرات الصوت ، فأيقن أنه وقع في يد ناس لا ضمير لهم ، قد باعوه ، أو أخذوه للعمل عندهم ظلماً وبهتاناً ، أما مع ضياع الحمار الثاني فقد تجدد الأمل في داخله مرة أخري أن يجده ، وإلا فمن سوف يحمل عنهم البرسيم ، ويأتي بالمحصول ، ويحمل عنهم الأثقال؟!!
ظل الحمار يجري ،ويجري وهو سعيد بحريته ، وقرر ألا يكون ملكاً لأي إنسان بعد ذلك ، وألا يرجع لصاحبه مهما يكن إلى أن وصل إلى قرية بعيدة ، فجاع ،بعدما أنهكه التعب ، فأكل ،وأكل ثم نام بجوار البرسيم الذي قضى عليه ، وعندما جاء صاحب البرسيم المأكول ، لم يجد برسيمه ، ووجد الحمار في سابع نومة ، فعرف أنه هو من فعلها ، فأحضر حبلاً ،وربطه من قدمه ، فاستيقظ الحمار ،وحاول الهرب وكان مع الرجل عصاه ، فضربه عدة ضربات لم يذقها من قبل ، فوقف الحمار ساكناً لا يتحرك .
راح الحمار يبكي ويبكي ، وأحس أن البشر لن يتركوه في حاله ،وأنه من الصعب إن ينال الحمار حريته ،وبما أن كل الحمير مطيعة ، فلماذا يتمرد هو ؟ ولماذا ...؟ ولماذا...؟
أخذه الرجل ،وراح يحمل عليه من كل ثقيل ، ما لم يحلم بحمله ، وأحس الحمار أن ظهره سوف ينقسم إلى نصفين ،وأنه لو ظل عند هذا الرجل سوف يموت وهو في عز شبابه ، فندم على صاحبه الذي تركه ، وأحس للحظات أنه خائن ، ولكنه راجع نفسه في هذا الشعور ، وتغلب عليه ، وعاد إليه شعوره بأن ما فعله كان صواباً ،وأن هذا الرجل الذي يحمله ما طاقة له به ،لا بد أن يجهز له رفسة مميتة ؛ كي يهرب منه .
ولكن ذلك لم يحدث ، فصاحبه لم يمل من البحث عنه ، وما أن سمع الرجل الذي أمسك بالحمار مكبر الصوت في قريته ، يعلن عن حمار ضائع ، وسمع أوصافه من المكبر ، حمار ذكر ،أبيض ، شباب ، وإذ بالرجل يرسل ابنه الصغير ناحية السيارة التي تحمل المكبر ، وهناك تحدث مع صاحب الحمار ،وأخبره أن حماره لديهم ، ففرح الرجل جداً ،وتوجه ناحيه بيت الرجل ، وشكره كثيراً ، ووضعوا الحمار في السيارة النصف نقل ،وربطوه جيداً ، وعاد به صاحبه ، فقال الحمار في نفسه ، وهو يودع الرجل الذي كان ينوي أن يرفسه ، نجوت منها ، ولكن لن ينجو صاحبي.
 





الجمعة، 7 فبراير 2014

صديقان ... قصة بقلم : ياسر الششتاوي



صديقان
صديقه يحب الثرثرة ، والحديث عن خصوصياته ، وخاصة ما يتعلق بعلاقته الجنسية بينه وبين زوجته ، ويرى ذلك شيئاً محبباً إلى نفسه ،وكثيراً ما يتباهى بفحولته الجنسية ، أما هو فلا يبوح له أبداً بأشياء كهذه ، وكم نصحه كثيراً بألا يتحدث في مثل هذه الأمور معه ، أو مع غيره ،ولكنه مازال مصراً .
وفي يوم من الأيام جاء وفي وجهه بعض الحزن ،وليست هذه عادته ، فهو يحب التهريج ،وإلقاء النكات ، ولا تخلو نكاته طبعاً من النكات الجنسية .
لاحظ صديقه ذلك ، فسأله عن السر في هذا التغير ، ربما قد يكون أصيب بشيء أو وقع في مأزق ،ولكنه أكد له أنه بخير ، فسأله مرة أخرى ، عن سر التعاسة التي يبدو على وجهه ، فحكى له عن ابن خاله ، الذي وصل الخمسين ، وأصيب بمرض ، فمنع عضوه الذكري من الانتصاب؛ فلم تطق زوجته ذلك ، رغم أنها في مثل سنه ، وتزوجا عن قصة حب عنيفة منذ أيام الجامعة ، ومع ذلك تركته ، لأنه لم يعد قادراً على إشباع عطشها الجنسي ، فهل يمكن أن يحدث هذا معي ، هل يمكن أن أكون مخدوعاً في زوجتي أنا أيضاً ،مثلما كان ابن خالي مخدوعاً في زوجته ، فضحك صديقه ، ثم ضحك ... فنظر إليه كمن يعاتبه على ضحكه ، ويلومه على عدم تقدير ما يعانيه ، فأدرك صديقه ذلك من عينيه ، فرد عليه محاولاً إثنائه عن أفكاره التي تلعب برأسه : أولاً هي لم تفعل شيئاً يحرمه الله ، وكل إنسان أدري بظروفه ، أيهما أفضل من وجهة نظرك ، أن تظل زوجته وتخونه ، أم يطلقها ، ويظل محتفظاً بشرفه وكرامته.
فرد عليه كمن لايريد أن يرد : الثانية أفضل طبعاً ، ولكن مايؤثر فيّ أنهما كانا يحبان بعضهما حباً جماً أشبه بالجنون ،فكيف تتخلى عنه بهذ السهولة ؟!
فعقب صديقه على كلامه محاولاً فض تعجبه.
ـ يبدو أنك سوف تتعبني هذا اليوم بأسئلتك ، لتعلم يا صديقي أن البعض يتخذ الحب معبراً لرغباته ، وقد يصدّق أنه يحب غيره ، والحقيقة أنه يحب رغباته أكثر مما يحب الشخص ، وما الشخص إلا تجسيد لرغباته ، فيحبه ، وعندما لايلبي هذا الشخص رغباته ، ينطفئ الحب ، وتتغير المعاملة.
أخذ آخر كلمتين من فم صديقه ،وراح يرددهما : تتغير المعاملة ، تتغير المعاملة.
تعجب منه صديقه سائلاً : لماذا تردد هاتين الكلمتين اللتين قلتهما.
ـ وجدت في كلامك ما ينطبق على واقعي.
ـ كيف ؟؟
فراح يسرد عليه
ـ عندما أضاجع زوجتي ، تصبح رقيقة حانية ، وأسمع منها أحلى كلام ، وتكون ست بيت على ما يرام ، ويستمر هذا الأق الزوجيّ يوم أو يومين ، وعندما أغيب عنها ، ولا ألمسها لفترة ، تجد صوتها يعلو ، وتضرب في الأطفال ، وقد لا تلبي لي بعض الأمور.
أراد صديق أن يقول له أن هذا ما يحدث معه أيضاً ، فزوجته كزوجته ، ولكنه اعتاد ألا يبوح بسره ، فقال له كلاما عاماً.
ـ كل النساء هكذا .
ـ لا ليس كل النساء هكذا ، فلقد مات أبي ونحن صغار ، وترملت أمي علينا وهي في عز شبابها ، ولم يستطع أحد أن يلمس طرف ثوبها بكلمة .
نظر إلى صديقه المنفعل في كلامه عن والدته قائلاً :
ـ إذن ماذا تريد أن أقول لك لقد حيرتني ؟
أرخى رأسه إلى أسفل قليلاً.
ـ أخاف أن تغدو زوجتي مثل زوجة ابن خالي.
فضحك صديق مقدماً على التعليق الذي سيلقيه عليه.
ـ وهل أنت ستصبح مثل ابن خالك ؟ ربما هي وراثة في عائلتكم.
فابتسم لتعليقه ، ولكنه عزم على أن يختبر زوجته في هذا الشأن.




الجمعة، 31 يناير 2014

واقعتان ... قصة بقلم : ياسر الششتاوي




واقعتان
ــــــــــ
الحمد لله أني نجوت ................................................................)
يا ليتني ما نجوت ..................................................................)
بينما كنت نائماً في الميكروباص ،كعادتي في السفر الطويل ، فلقد كنا في زيارة أحد المرضى من أقاربنا، لم ألحق أن أفتح عيني ، وما رأيت شيئاً كل ما شعرت به ،هوذلك الصوت الشديد النتائج عن التصادم ، ولم أتذكره إلا وأن في المستشفي بعد أن أفقت من الغيبوبة ، فحمدت الله على أني نجوت ، رغم الكسور في قدمي ويدي وحوضي ، إلا أنني كنت سعيداً، لأن كل من كانوا معي في الميكروباص ، ماتوا ، فصبرت وتحملت الألم ، فما زالت أمامي فرصة في الحياة ، راح الناس يكيلون لي التهاني على نجاتي ، واتصل بي كل الأصدقاء ، ومنهم من جاء ليزورني ، ربما منهم من قد انقطعنا عن بعضنا الفترة طويلة ، فتجمعنا المناسبات السعيدة ، أو المناسبات الحزينة مثل ما أنا فيه ، عرفت في محنتي كم يحبني الناس ، فلا تعرف قيمة الناس إلا في المحن ، وكذلك بها تعرف من يحبك صادقاً ،ومن يمثل عليك
صممت أن أتجاوز محنتي ، فلست أو إنسان يصاب بكسور ، ولن أكون الأخير ، رغم أن زوجتي وأبنائي يطعمونني ، كنت سعيداً بذلك ، فلقد أحسست أني رجعت طفلاً ، وهم كانوا يتنافسون في خدمتي ، وأحسست أن الله يحبني بأن رزقني تلك الأسرة.
راحت أتماثل للشفاء سريعاً ، ربما بفعل حالتي النفسية ،ومعنوياتي المرتفعة ، وبدأت أخطو خطواتي الأولي في الشقة ، وكأنني طفل يحبو على عكازه.
كل يوم أتحسن عما قبله ، وتصبح عضلاتي أقوى ، حتى تخليت العكاز ، وأصبح من الماضي ، ولكنني لم أتخلى عنه تماماً ، فلقد وضعته تحت السرير ربما يحتاجه أحد غيري ، فأنال فيه ثواباً
الحر يشتد في الصيف ،وانقطاع المياه وارد في حارتنا الشعبية ، مما يزيد الأمر صعوبة وضيقًا أننا نستخدم موتور المياه لرفع المياه في الدور الخامس الذي نسكن به
وذات مرة أردت أن أستحم ، فرحت أدير الموتور ، فلم يعمل ، فكان هذا أول نزول لي من الشقة لأرى الموتور ،وما به من عطل ، وفي أثناء نزولي ، وفي الدور الثالث ،انزلقت قدمي ، فوقعت متدحرجاً من على السلم ، فتكسرت كل عظامي التي كادت أن تلتئم مرة أخرى ، فكان الأمر أشد وأنكي ، وطالت فترة علاجي ، وأصيبت بقرحة في المعدة من كثرة العلاج ، ولم تعد أسرتي كما كانت في المرة الأولى ، بل بدا من بعضهم بعض التبرم مني ، فتمنيت لو أنني لم أكن قد نجوت من الحادث ، وقلت لي : يا ليتني ما نجوت ، بل كثيرا ما تدمع عيني ، وتعز عليّ نفسي ، فما أصعب أن تكون أسير المريض ، لا أنت ميت ولا حي ، وكل ما أبحث عنه الآن جرعات من الصبر ، وليس جرعات من العلاج.

الأحد، 19 يناير 2014

متصل .. قصة بقلم : ياسر الششتاوي



متصل
كان يحبها ويطمع أن يتزوجها ، ولكنها فضلت شخص آخر عليه ، فشعر بالكره نحوها ،وقرر أن يفسد حياتها ،وأن ينتقم منها ، مهما طال الأمد ، وما هي إلا عدة شهور ، حتى اتصل بزوجها ، وأخبره أن زوجته تحب شخص غيره ، فلم يصدق ما قاله ذلك الشخص إلا أنه راح يحاذر من زوجته ،ويسأل عن أشياء ما كان يسأل عليها من قبل ، وبدأ بصيص من الشك يساوره ، رغم أنه راح يقاوم هذا البصيص المتسلل إلى نفسه ، بما يرى من زوجته من حب جارف ، ولكنه لم يتركه يهزم هذا البصيص ، فراح يتصل به مرة أخرى ، ويؤكد أن لديه خطابات ورسائل لزوجته أرسلتها لحبيبها الحقيقي ، وسوف تصل إليه في الوقت المناسب ، فراح الشك يزيد ويقوي ،ولم يعد بصيصاً ،وراح يفسر بعض كلمات زوجته في مدح أحد الأشخاص على غير ما تحمل الكلمات ، وشعر بغصة نحوها ، وراح ينفعل عليها لأول مرة ، وعندما رآها تتكلم في المحمول ذات مرة هجم عليها مسرعاً ،وأخذ المحمول من يدها فإذا بها تتكلم مع أخيها ، فأعتذر لها ، ولكنه لم يعتذر للشك
وفي اليوم التالي ،اتصل به ،وأكد أن زوجته بمجرد خروجه إلى تستقبل حبيبها ، فذهب مسرعاً إلى بيته ، فوجد زوجته ما زالت نائمة ، فسألته : لماذا رجعت من العمل ؟ فرد متأففاً : لقد نسيت بعض الأوراق . وعندما خرج من المنزل ،اتصل به مرة أخرى ،وأكد له أن غريمه خرج قبل أن يصل بقليل ، فرد عليه شاتماً : أنت كاذب وسوف أعلمك الأدب
ـ أنا لست كاذب
ـ لم أجد أحداً ، ووجدت زوجتي نائمة
ـ أسمح أن أقول لك :إنك مغفل
ـ أنت كاذب وسوف أعلمك الأدب
ثم أغلق الخط في وجهه ، وصمم أن يطرد الشك من قلبه ،وأن هذا الشخص يريد خراب بيته .
وبينما هو في عمله بعد عدة أيام اتصل به مرة أخرى ، وكان قد حدثت بينه وبين زوجته بعض المنغصات العادية التي يمكن أن تحدث بين أي زوجين ،وأقسم له بكل يمين أن زوجته تخونه الآن مع عشيقها ، فراح الشك يطفو مرة أخرى مع أنه قرر ألا ينساق له ، وبرغم علمه البين أن هذا الشخص لا يرجو له خيراً ، لم يستطع الجلوس على مكتبه وأداء عمله ،وأصبح لا يرى أمامه ، فرغم أنه امتحن ثقته في زوجته ، إلا أن كلمات هذا المتصل ما زالت تنخر في أعصابه ، وانتصر الشك عليه فخرج متردداً بين الإقدام والإحجام ، ثم انتصر عليه الشك مرة أخرى فأسرع نحو المنزل ، وقبل أن يفتح الباب سمع آهات زوجته ، فظن أن الخيانة في أوجها ، وحينئذ دفع الباب بكل قوة فوجد زوجته ، تمسك قدمها بيديها ، فقد وقعت من على الكرسي وهي تحضر بعض الأشياء من على ظهر الدولاب ، فراحت تطلب منه أن ينقذها ،ويذهب بها إلى المستشفى في الحال ،ولكنه هم بفتح أبواب الدولاب كمن أصابه الجنون : أين أخفيت عشيقك  ؟ أين هو ؟؟
نزلت كلماته عليها كصاعقة ،وأدركت أنها خدعت في حبه الذي ضحت من أجله بالكثير ؟ وعندما تأكد له أنها لا تمثل عليه إخفاء لعشيقها ، راح كي يذهب بها إلى المستشفي ،ولكنها رفضت أن يكون هو من يذهب بها ، وراحت تصرخ بشدة حتى ينقذها أحد غيره.